الأحد، 21 أغسطس 2011

المحرمات من المطعومات!

الحمدلله رب العالمين وصلاة وسلاما على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وسلم.
فنتناول اليوم بإذن الله وعونه مسألة هي من أهم المسائل المتعلقة بالإنسان المسلم وهي مسألة المحرم من المطعومات، فما هو المباح للإنسان أكله وماذا يحرم عليه؟
الناظر في المسلك الإسلامي في مسألة التحليل والتحريم يجد أنه يضيق دوما مسألة التحريم ويجعل دائرة المباحات واسعة شاملة كبيرة حتى لا يكون على الإنسان من حرج في دنياه، ولن يتخلف هذا المسلك في مسألة المطعومات ، فإذا نحن نظرنا في القرآن الكريم وجدنا أن المحرمات معدودة ومذكورة بصيغة الحصر، وهي الواردة في قوله تعالى:
"إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [البقرة:173]"
"قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الأنعام:145] "
"حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [المائدة:3] "
و طبعاً سيخرج القارىء من هذه الآيات بحكم واحد لا خلاف فيه ولا لبس ، فالأمر في غاية الوضوح ، فالقرآن يقولها ويكررها أن المحرم من الطعام هو أربعة أصناف فقط هي : الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله ونجد أن الآيات وردت بصيغ عديدة بين " إنما " التي تفيد الحصر ، وبين النفي والاستثناء " لا أجد فيما أوحي إلى .... إلا " التي تفيد الخبرية والحصر أيضا وبين صيغة التحريم العادية " حرمت " .
و انظر عزيزي القارىء في كتب الفقه في هذا الأمر، و ستجد فيها الصفحات الطوال ، مع أن الأمر لا يحتاج إلى عبقرية لمعرفة هذا الحكم الذي لا يأخذ أكثر من سطر واحد ، و تصور معي عزيزي القارىء باب المأكل في كتب الفقه يأخذ سطراً واحداً ، كم سيكون الفقه سهلاً على كل المسلمين .
و مما يأسف له المرء أنه إذا نظر أي مسلم في كتب الفقه في هذا الشأن الذي يجب على كل مسلم أن يعرفه منذ الصغر كمعرفة أبنائه ، يجد أن فيه تصريفات وتفريعات عديدة. فنجد أن أكثر الفقهاء على تحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ، ونجد أن هناك خلافاً كبيراً في حكم الحمر الأهلية – بين محلل ومحرم ومكره - ، وهل الضفدعة حلال أم حرام ؟ وحكم الأرنب ، وأصناف كثيرة يشعر معها المسلم بالحيرة في تفصيل مطعمه. والسبب في ذلك هو ورود روايات لأسباب معينة عمومها وجعلوها مطلقة ثم جعلوها ناسخة للقرآن أو مخصصة له ، مثل :
o       ما رواه مسلم " 3574- عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ { رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ ، وَ كل ذي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ } .
o       ومن ذلك ما رواه البخاري " 2922- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَانْتَحَرْنَاهَا فَلَمَّا غَلَتِ الْقُدُورُ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْفِئُوا الْقُدُورَ فَلَا تَطْعَمُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا " .قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَقُلْنَا إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ وَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ حَرَّمَهَا أَلْبَتَّة َ"
o       و في البخاري كذلك " 3893- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ وَسَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَكْلِ الثُّومِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ نَهَى عَنْ أَكْلِ الثُّومِ هُوَ عَنْ نَافِعٍ وَحْدَهُ وَلُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ عَنْ سَالِمٍ "
o       و في البخاري أيضا " 3898- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا عَبَّادٌ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا :أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ يَوْمَ خَيْبَرَ فَإِنَّ الْقُدُورَ لَتَغْلِي قَالَ وَبَعْضُهَا نَضِجَتْ فَجَاءَ مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا وَأَهْرِقُوهَا قَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى فَتَحَدَّثْنَا أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ نَهَى عَنْهَا الْبَتَّةَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ "
o       و في البخاري كذلك " 3902- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الحُسَيْنِ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :لَا أَدْرِي أَنَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ حَمُولَةَ النَّاسِ فَكَرِهَ أَنْ تَذْهَبَ حَمُولَتُهُمْ أَوْ حَرَّمَهُ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ لَحْمَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ "
فهذه بعض الأحاديث التي يستدلون بها على تحريم أصناف من الطعام لم يحرمها الله عزوجل ونجد كذلك أنه كان هناك خلاف بين الصحابة في سبب النهي هل لعدم التخميس أم لأكل العذرة أم لأنها حمولة الناس ، فأخذ الفقهاء بالروايات على عمومها وتركوا أسبابها على عادتهم دوما من إطلاق السنة وتقييد القرآن .
ولكن نحن عندنا كتاب الله القول الفصل القسطاس المستقيم ، الذي نقيس عليه كل شيء في حياتنا حتى السنة ، فإذا رجعنا إلى القرآن وجدنا أنه حرم الأصناف الأربعة فقط ، بل أنه ذكر ذلك في إحدى الآيات على سبيل الخبر الذي لا يجوز على رأيهم نسخه لأنه يصير كذبا ولكن السادة الفقهاء " لا يغلبون " كما يقال ، فقالوا فيها أقوالا عدة حتى يعملوا الروايات ولو أدى ذلك إلى نسخ الآيات ، ولقد رد الإمام الرازي في تفسيره على هذه التمحكات الفارغة وبين تهافتها فليراجع هناك من أراد ذلك .
ونحن نقول أن النهي في هذه الروايات كان له أسبابه وأن النهي خاص لظروفه من حاجة للحموله أو لعدم التخميس أو لأكل العذرة فالله أعلم ، فقدمنا كتاب الله وحرمنا حرامه ووقفنا عنده ، والحمد لله نجد أن من الأحناف والمالكية من لا يقول بتحريم هذه الأصناف بل يقولون فيها بالكراهة ، وهذا أكثر من كاف لمن يريد أن يسمع أقوال الفقهاء في هذه المسألة ، فليس على تحريمها إجماع – هذا إذا قلنا أن الإجماع حجة - ، فيكون الحكم الشرعي بكل سهولة هو أن المحرم فقط أربعة ، ومن أراد معرفة المكروه فعليه بكتب الفقه ، ومن أراد الحلال والحرام فعليه بكتاب الله .
قد يقول قائل : أنت تقول أن القرآن حرم أربعة أصناف فقط ، ولكنا نجد أن آية المائدة ذكرت أصنافا أخرى ، فكيف يستقيم كلامك ؟
نقول : الأصناف أربعة ولكن الكلام من باب التفصيل ، فإذا أنت نظرت وجدت أن القرآن تكلم عن حكم الميتة إجمالا والميتة المعروف أنها هي الميتة ، ولكن ما حكم المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع ؟
فوضحت الآية أن ما أدركناه من هذه الأصناف فذكيناه فهو حلال وأما إذا لم ندركه فهو حرام لا يحل لنا أكله ، فالكلام في آية المائدة من باب التفصيل وليس الزيادة ، والله أعلم .
غفر الله لنا الزلل والخلل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق