الجمعة، 26 أغسطس 2011

التدبر التناظري لآيات القرآن الكريم


 بقلم زهير قوطرش

منذ أن بدأت أتدبر كتاب الله عز وجل (القرآن الكريم)، كانت تستوقفني  بعض القضايا  الغير مفهومة بالنسبة لي أو بعبارة أصح لم تكن واضحة، لأنني تدبرتها حسب مستواي المعرفي. واستطعت مع الزمن ومع القراءة المستمرة والمتابعة لكتابات الأخوة،  حيث توصلت إلى  إجابات مقنعة لكثير من القضايا الإشكالية  التي أشكلت عليَ.  لكن بقيت قضية هامة تؤرقني، وكنت دائماً أحاول الوصول إلى فهم هذا اللغز القرآني.

هذا اللغز الذي حيرني، هو أنني وعند قراءة أي سورة  مثلاً .... كنت أستغرب أن كتاباً مثل القرآن يفتقد حسب فهمي القاصر إلى التسلسل في الأحداث أو المواضيع  من البداية  حتى النهاية.

وحتى أقرب الفكرة. خذ مثلاً سورة البقرة، الآيات من رقم 30 إلى 46. هذه الآيات تتحدث عن آدم وموضوع الخلق، والأكل من الشجرة، ثم وقوع آدم في الخطيئة، فالتوبة، ثم الهبوط  إلى الأرض .... وفجأة ينحو التسلسل القرآني إلى بني إسرائيل، وخروجهم من مصر ..... من الآية 47 إلى الآية 96. ثم ينتقل السياق ليتحدث عن المشركين وأهل الكتاب ورفضهم الإيمان برسول الله ورسالته ... وهكذا.

وأذكر أن أحد الكتاب الغربيين، عندما قرأ القرآن - وكان يقرأ العربية بشكل جيد - توقف عند هذه الملاحظة، وقال لي عجباً كتابكم هذا .... لا أفهمه. يبدأ بموضوع  ولا ينهيه، وفجأة يتناول موضوعاً آخر لا علاقة  له  بالموضوع السابق. أي هو شذرات ليس ينتظمها ناظم !!! فهمت قصده. لكني يومها لم  يكن باستطاعتي تعليل ذلك سوى القول بالحكمة الإلهية.

وبعد سماعي من الشيخ عدنان إبراهيم تدبره لهذه القضية، اقتنعت به، وأحببت أن أنقله إليكم أخواتي وإخوتي. قد يكون سبقه غيره إلى هذا التدبر، ولكن لم أطلع عليه.

الشيخ عدنان يقول أن ترتيب المصحف غيرترتيب النزول. لكن الله أفهمنا أن القرآن بشكله هو منظوم ومرتب، وليس عشوائياً . لنأخذعلى سبيل المثال سورة البقرة .... ينتقل القرآن بعد حكاية آدم إلى بني إسرائيل مباشرة، مع أن حكاية آدم لم تنته في هذه السورة، لكنها ترد في سياق سور أخرى. هل هذا الانتقال بدون خطة وحكمة إلهية؟! أبداً.... ولنبدأ بالتدبر

قال الله تعالى "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ 
وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ"- البقرة 30
 
وقال في حق بني إسرائيل بعد استخلاف آدم في سورة البقرة أيضاً بعد  حكاية آدم:
"يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارهَبون"
وقال أيضاً:
"يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين"

من هذه الآيات نستطيع القول أن الله عز وجل كما اصطفى وفضل آدم، كذلك فضل بني إسرائيل على العالمين. أي هناك مقاربة ..
ولنتابع أيضاً قوله عز وجل لآدم ....

"وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظالمين"

ولننظر كيف خاطب بني إسرائيل عندما طلب إليهم  دخول القرية. أيضاً طلب إليهم أن يأكلوا حيث شاءوا رغداً ... وكأن تجربة وحكاية آدم تكررت  بشكل مشابه على الأرض.
  
"وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ"

ونلاحظ في الآية التالية التشابه في موضوع الهبوط بعد أن غضب الله على آدم، وعلى بني إسرائيل. لكن آدم تاب، وهم مازالوا في تكبرهم . وموضوع العداوة فيما بينهم، أليست هي العداوة التي نبأنا عنها عز وجل وجدت في بني إسرائيل؟ 
لنقرأ الآيات التالية:
"فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ"

"اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا"

"وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ"


أخواتي وإخوتي وأعزائي. إذن ترتيب الآيات ليس اعتباطياً .. معاذ الله .... لكنه ترتيب تناظري.
أليس من الواجب أن نتابع الموضوع لنقف على هذا التدبر التناظري في مجموع سور القرآن كلها!!!!!

إذا كان لديك عزيزي القارئ مثالاً آخر، ارجوا أن لا تبخل به علينا وأن تضيفه في التعليق .. وشكراً 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق