السبت، 27 أغسطس 2011

نحو تأسيس لسانيات قرءانية

بقلم عمر محمد سعيد الشفيع omar.alshafi@gmail.com
الخميس, 21 أيار/مايو 2009 19:45

أولاً - اللسان العربي: تعريف وتصنيف
كنت في بداية السنوات التسعين من القرن العشرين أقرأ في المقدمة الضافية العميقة التي خطها قلم الأستاذ محمود محمد شاكر عليه شآبيب الرحمة لكتاب الظاهرة القرءانية الذي ألفه الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله وقد لاحظت أن الأستاذ شاكر كان يدافع عن الشعر العربي ضد الذين جاؤوا بأبيات ناصعة من الشعر ولكنهم قلَّلُوا من قيمتها عند مقابلتها بآيات من القرءان العظيم. قرأت تلك المقدمة عدة مرات وأوحت لي بفكرة الإختلاف والتمايز بين لسان العرب ولسان القرءان ووجدت أن الأستاذ شاكر أحس بهذا الإختلاف ولكنه أفلت منه لأن دائرة قوله كانت الدفاع عن الشعر وعدم مقارنته بالقرءان. وسبب اهتمامي بهذا الموضوع يعود لسنوات الدراسة حيث أنني لم أكن أحب في كتب النحو أن تأتي بأمثلتها من القرءان وغيره من القول جنباً إلى جنب.
ثم صرت أقرأ بعد ذلك لكثيرين تحس أنهم يميزون بين اللسانين بدرجة من الدرجات مثل الأستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد رحمه الله الذي استخدم مصطلحي (الاستخدام الإلهي للغة) و(الاستخدام البشري للغة). وحاج حمد رغم سمو قامته في الدراسات القرءانية المعاصرة إلا أنه لم يلزم نفسه باستخدام اللفظ القرءاني (لسان) وجرى قلمه بلفظ (لغة).
والموضوع يحتاج لبحث طويل قد أحتشد له يوماً إن شاء الله ورضي وأذن ولكني كتبت هذه الأسطر حتى يشترك معي القاريء والقارئة الكريمين في توسيع الموضوع وعرضه للنقاش لنستفيد من آرائكم التي التي سوف تؤثر على صياغة مقبولة له.
وهذا الملخص أو الموجز سوف يهتم بتعريف اللسان العربي والفرق بينه وبين لسان العرب والفرق أيضاً بين لسان العرب ولسان القرءان.وفي الموجز القادم سوف نكتب عن بعض خصائص لسان القرءان إن شاء الله.
1. لسان العرب
اللسان العربي = {لسان العرب، لسان القرءان، اللسان الكامن}.
لسان العرب هو اللسان الذي تكلمه العرب فعلاً في الواقع سواء في ماضيهم أو في حاضرهم. وذلك الماضي يشمل كل لهجاتهم ولغاتهم في الزمان (كاللهجات اليمنية القديمة أو لغات بلاد الرافدين العتيقة أو اللغات القديمة في وادي النيل) والمكان (الجزيرة العربية وبلاد الشام ووادي الرافدين ووادي النيل وشمال أفريقيا). أماالحاضر فيشمل كل اللهجات العربية الحديثة والمعاصرة بالإضافة إلى تطورات اللسان المعياري في العصر الحديث (ما يسمى باللغة الفصحى) وما أهملته المعاجم التي سجلت ألفاظها في فترات محددة ومن بيئات معينة. وبعض ما أهملته المعاجم فقد اشتملت عليه الكتب العربية في العصور المختلفة. ورغم هذا الإتساع في الزمان والمكان فقد نجد جذراً لسانياً معيناً قد أهمله العرب في كل مراحلهم قديماً وحديثاً ولم يستخدموه. والجذور اللسانية الثنائية والثلاثية يمكن إحصاؤها الآن عن طريق الحاسوب من تباديل وتوافيق الحروف العربية. والتداول أو الإستعمال في لسان العرب مفتوح لتوسيع الدلالة من حيث التحسين والتقبيح ومن حيث الحياة أو الموت ومفتوح أيضاً في استخدام كل الصيغ التصريفية. وإذا أردنا أن نضرب أمثلة لإنفتاح لسان العرب وإنضباط لسان القرءان فسوف نجد أن لسان العرب يستخدم لفظي (دين) و(أديان) في حين أن لسان القرءان لا يعرف هذا الجمع (أديان) لأن (الدين) عند الله واحد ولكن تتعدد رسالاته. وفي مقابل ذلك فإن لسان القرءان يعرف الجمع (حدود) ولا يعرف المفرد (حد) لأن دين الله يقوم على الحدود التي تتيح للمتدين أن يسعى بينها بعد معرفة أن هناك حدوداً لا يجوز له أن يقترب منها وهناك حدوداً لايجوز له أن يتعدَّاها.
2. لسان القرءان
اللسان العربي = {لسان العرب، لسان القرءان، اللسان الكامن}.
لسان القرءان هو الجذور والألفاظ والأدوات الواردة في القرءان العظيم من أول سورة الفاتحة وحتى آخر سورة الناس. ويشترك هذا اللسان مع لسان العرب في أنه يمثل مجموعة متقاطعة مع مجموعة لسان العرب. والتقاطع يعني أنه توجد بعض الجذور في لسان القرءان غير مستخدمة في لسان العرب وأمثلتها تلك الألفاظ القرءانية المهجورة الاستخدام عند العرب مثل لفظة (الأَمْت) إذا نظرنا للجذر ولفظة (كُبَّار) إذا نظرنا للجذع الذي هو الصياغة. وبالطبع هناك ألفاظ في لسان العرب غير مستخدمة في لسان القرءان لأن لسان العرب أكثر جذوراً من لسان القرءان وذلك مثل (سبر) إذا نظرنا للجذر و(العقيدة) إذا نظرنا إلى الجذع. وهناك بعض الألفاظ القرءانية التي يستخدمها العرب في لسانهم في معنى تداولي قد يختلف عن المعنى التداولي لها في القرءان.
ولسان القرءان يتميز بالمحدودية والتناهي فهو محدود في جذوره وصياغاته التي يمكن إحصاؤها عدداً ولكنه متناهٍ في إمتداد معانيه عبر الزمان والمكان. وحسب المعجم الموسوعي لألفاظ القرءان الكريم وقراءاته فإن جذور لسان القرءان تبلغ 1884 جذراً وبالتأكيد فإن جذور لسان العرب أكثر من ذلك بكثير.
والمشكلة تنشأ عند المؤلفين العرب من مفسرين ونحويين وبلاغيين عندما يأخذون أمثلتهم لتقعيد قواعدهم من لساني العرب والقرءان بلا تفريق بينهما وقد إنتبه إبن فارس لهذه المشكلة فكتب في مقاييس اللغة يقول: (ولولا أن العلماء تجوَّزوا في هذا، لما رأينا أن يُجْمَع بين قول الله وبين الشعر في كتاب، فكيف في ورقة أو صفحة؛ ولكنَّا اقتدينا بهم، والله تعالى يغفر لنا، ويعفو عنَّا وعنهم). وهذا التجوُّز (على حد تعبير ابن فارس) في المساواة بين اللسانين هو الذي يجعلنا حتى الآن نذهب مباشرة إلى الشعر الجاهلي أو كلام عرب قبل الرسالة لمعرفة معاني الألفاظ القرءانية في حين أن ألفاظ القرءان يمكن معرفة دلالتها وتداولها من القرءان وحده إذا ثابرنا على ذلك حسب منهج القرءان في التشابه والمثاني.
ولكننا على كل حال نحتاج إلى معجم لدلالات ألفاظ القرءان ينطلق من مستوى الصوت ليفرق في مستوى الجذر بين الدلالات المشتركة تقارباً أو تباعداً بين جذرين أو أكثر في كل مستويات التصريف الثلاثة (أنظرها في مقال قادم بإذن الله) ويسجل أيضا ارتباطات اللفظ واقتراناته في السياقات المختلفة أو المتعددة.
3. اللسان الكامن
اللسان العربي = {لسان العرب، لسان القرءان،اللسان الكامن}.
تبلغ تباديل الجذر الثلاثي (ذي الأصوات المختلفة) ستة تباديل مثل الجذر كتب الذي تكون نتيجة تباديله هي الجذور الآتية:
(كتب، كبت)             (تكب، تبك)              (بكت، بتك)
ويمكن أن تكون بعض هذه الجذور غير مستخدمة في لسان العرب مثل (تبك) و(تكب) التي لا توجد لا في معجم مقاييس اللغة ولا في معجم لسان العرب حسب موقع الباحث العربي الذي يضم مجموعة من المعاجم العربية وبذلك تظل هذه الجذور كامنة وقد تظهر في المستقبل عندما يرى المجتمع أن هناك شيئاً أو مفهوماً جديداً تنطبق دلالته على الدلالة العامة لذلك الجذر الكامن بافتراض أننا نعرف الدلالة العامة للجذر من الدلالة القَبْلِيَّة لأصواته المكونة من دلالة الصوت نفسه ورتبته وحركته الطويلة او القصيرة.
أما جذور هذا اللسان الكامن التي لم تستخدم من قبل فيمكن إحصاؤها عن طريق الحاسوب. وهناك عنصر آخر يمكن أن نعتبره جزءاً من اللسان الكامن وهو الدلالات الجديدة التي تظهر لجذور مستعملة في لسان العرب وبذلك يكتمل العنصران المكونان للسان العربي الكامن
وأظن أن معرفة اللسان الكامن سوف تساعدنا في ترجمة المفاهيم والمصطلحات الجديدة الواردة إلينا في هذا العصر الإتصالي العولمي.
4. اللسان العربي
اللسان العربي = {لسان العرب، لسان القرءان، اللسان الكامن}.
ما هو الفرق في الدلالة بين المركب الإضافي(فستق حلب) والمركب النعتي (الفستق الحلبي) إذا كان المضاف إليه اسماً عَلَماً؟ لم أجد حسب قراءاتي المحدودة من فرق في الدلالة بين هذين الإستخدامين ولكني أظن أن هناك من فرَّق بينهما وإن لم يصلنا مؤلفه أو لم تقع عليه يدي. الفرق في ما يبدو لي أن الدلالة في المركب الإضافي تحصر إضافة ملكية المضاف إلى المضاف إليه مثل الفستق الذي زرع حصراً في حلب واشتهرت به بينما الدلالة في المركب النعتي تنفتح لتصف كل مضاف يتصف بصفات المضاف إليه وإن لم يملكه مثل الفستق الذي يتصف بصفات فستق حلب وإن زرع في دمشق. وعليك أخي القاريء الكريم أن تحاول التمييز بين الدلالتين الناتجتين من الفرق بين (تاريخ القرءان) و(التاريخ القرءاني)، مع ملاحظة الحقل المشترك بينهما.
والآن لنسأل ما هو الفرق بين لسان العرب واللسان العربي؟
لسان العرب هو اللسان الذي تكلمه أو يتكلمه العرب تداولاً في الواقع سواء كان ذلك في الدهر القديم أو في الزمن الحديث أو في الوقت المعاصر.
واللسان العربي أوسع من لسان العرب إذ أنه يشمل بالإضافة إلى لسان العرب كل لسان يتوافق مع أو يجري حسب اللسانيات العربية وإن لم يتداوله العرب في الواقع مثل اللسان الكامن، أو يستعمل العرب معظمه في دلالات تقترب أو تبتعد عن دلالاته الأصلية مثل لسان القرءان.
إذن اللسان العربي يتكون من ثلاثة مجموعات فرعية هي لسان العرب ولسان القرءان واللسان الكامن في تقاطع بين لسان العرب ولسان القرءان وإنفصال بين لسان القرءان واللسان الكامن.
الخلاصة
اللسان العربي هو المصطلح الأعلى الجامع لكل الألسنة تحته ويتكون من ثلاثة ألسنة هي لسان العرب العرب ولسان القرءان واللسان الكامن. اللسان الكامن هو الجذور غير المستخدمة والناتجة من تباديل الجذر الثلاثي ولو كنا نمتلك معاجم للتأثيل (تاريخ الألفاظ) لكنَّا عرفنا عن بعض الألفاظ متى خرجت من كمونها ودخلت الحياة. ولسان القرءان هو الألفاظ المذكورة حصراً في القرءان العظيم ويشكل مجموعة متقاطعة مع مجموعة لسان العرب والتقاطع يعني أن هناك ألفاظاً مشتركة بينهما في الدلالة والتداول إلا أن كل لسان يتميز بألفاظ تختلف عن الآخر في دلالتها وتداولها. ولسان العرب هو كل الألفاظ التي استخدمها العرب في كل عصورهم ومن ضمنها كثير من ألفاظ القرءان سواء إختلفت دلالتها وتداولها مع القرءان أو إتفقت معه. والله أعلم.

ثانياً - نظام التصريف في اللسان العربي

اللسان العربي مصطلح أعم يشمل لسان العرب ولسان القرءان واللسان الكامن كما ورد في مقال سابق خاص بتعريف هذا اللسان وتصنيفه. واللسان العربي (ومن ضمنه لسان القرءان) يمكن دراسته على ثلاثة مستويات هي مستوى الدال ومستوى الدلالة ومستوى التداول (أنظر المقابل الإنجليزي لهذه المصطلحات في الخلاصة).
ويمكن دراسة الدال في مستوى التصويت (علم الصوت ودلالته) ومستوى التصريف (بناء اللفظ والجذع من الجذر) ومستوى التركيب (بناء الجملة والنص). وهذا المقال سوف يركز على نظام التصريف في اللسان العربي. ولأن التصريف من أهم خصائص اللسان العربي، فإن هذا اللسان يوسع الدلالة العامة الأصلية (الدلالة المحورية) للجذر الثلاثي فيه مثلاً بتصريف هذا الجذر في اتجاه الدلالات الفرعية المتعددة حسب أوزان صرفية معروفة وأخرى كامنة يمكن أن تظهر في سيرورة حياته. ونظام التصريف في اللسان العربي يمكن تقسيمه إلى ثلاث مجموعات كبيرة تحتوي كل مجموعة على مجموعات صغيرة داخلها.

1.    التصريف الصغير (الأول):

هذا النوع من التصريف لا يتغير فيه ترتيب حروف الجذر الثلاثي ولكن تأتيه الزيادة في المبنى من واحد أو أكثر من الحروف التي تجمعها جملة (سألتمونيها) بالإضافة إلى التضعيف. هذه الحروف العشرة ليست هي الوحيدة التي تدخل على الجذر في هذا التصريف ولكنها الأشهر في الإستخدام التصريفي. والجذر الثلاثي يأخذ دلالته المحورية من دلالات الحروف المكونة له بذات ترتيبها ووقوع الحركات عليها. ويمكن تمثيل ذلك في مجموعة رياضياتية حيث أن:
دلالة الجذر = {دلالة الحرف + رتبة الحرف + حركة الحرف}.
(مع ملاحظة أن الحرف مقصود به الصوت هنا).
ثم تنمو الدلالة المحورية في اتجاه دلالة فرعية تكون زيادة معناها من زيادة مبناها بإضافة دلالات الحروف الداخلة على الجذر إلى دلالة الجذر الأصلي. ومثال على ذلك نأخذه من الجذر (ر، س، م) ونكتفي فقط بدلالة الحروف وترتيبها حيث أن دلالة الراء هي (تكرر الحركة بترتيب معين)؛ ودلالة السين هي (انسلال الحركة خِفْيَةً لتظهر فيما بعد)؛ ودلالة الميم هي (تكامل الحركة بإتمام ما ينقصها). وترتيب الحروف يعني أن الحرف الثاني يبني حركته على حركة الحرف الأول فيخصصها ثم يقوم الحرف الثالث بتوقيع حركته على الناتج من توقيع حركة الحرف الثاني على حركة الحرف الأول. ونتيجة هذا الترتيب الذي يعمل فيه كل حرف على الحرف السابق له هي تكرر الحركة (ر) والإنسلال الخفي للتكرر (ر، س) وتكامل الإنسلال الخفي للتكرر وإتمامه (ر، س، م) تكَوِّن دلالة حركة الرسم. أي أن الراء تكرر الحركة بترتيب معين ثم تأتي السين فتعمل بانسلالها الخفي على حركة الراء ثم تأتي الميم فتكمل ما ينقص الحركة الناتجة من فعل السين على حركة الراء. هذه هي الدلالة العامة المطلقة لحركة الرسم ويمكن أن تنطبق على أية حركة مثلها في الوجود سواء كان رسماً بالقلم أو بالفرشاة أو بالعقل أو بالخيال أو بغيره. معاني الحروف مأخوذة من المتفكر اللساني عالم سُبيط النيلي عليه رحمة الله.
وهذا النوع من التصريف هو الذي يمكن أن نسمِّيه بالإشتقاق وهو الذي يحتاج إلى دراسات مستفيضة في ربط صياغاته المختلفة وأوزانه العديدة بدلالاتها وخاصة في قياسيَّة الجموع في لسان القرءان ونفي مصطلح (جمع التكسير) عن هذا اللسان العربي المبين (أنظر الفرق في الدلالة بين جموع اللفظ الواحد لاحقاً في هذه السلسلة ).

2. التصريف الوسيط (الثاني):

هذا النوع من التصريف تخضع فيه أصوات الجذر الثلاثي لعملية تباديل ينتج عنها ستة جذور ثلاثية من حروف ثلاثة لا تتغير؛ مثل (نفس، نسف) و(فنس، فسن) و(سنف، سفن) من حروف الجذر (ن، ف، س). وينشأ احتمال أن واحداًًًً من هذه التباديل أو أكثر لم يستخدمه المجتمع العربي في ماضيه ولا في حاضره. ولكن هذا التبديل (الجذر) غير المستخدم يظل كامناً ليظهر في التداول العربي عندما يرى المجتمع أن هناك شيئاً أو مفهوماً جديداً تنطبق سماته على حركة دلالة ذلك الجذر الكامن. وهذه الجذور الكامنة لا توجد في المعاجم ولكنها قد توجد في إحدى اللهجات العربية سواء كانت متداولة حاضراً أو منقرضة ولكنها مكتوبة.
تنشأ دلالة حقلية لهذه التباديل من دلالات الحروف الثلاثة ولكن الترتيب يفرعها إلى دلالات مجالية (محورية لجذرها الجديد) تربطها دلالة المنشأ بالحقل الأساسي.
وإذا انعكس الترتيب تماما مثل (كتب، بتك) و(كبت، تبك) و(تكب، بكت) فتنشأ دلالات ضدية من نفس دلالات الحروف لتدل على حركتين متضادتين من نفس العناصر. والدلالة الحقلية العامة تسمى مجالية إذا نظرنا إلى علاقة الجذر بالدلالة الحقلية لحروفه (دون ترتيب) ولكن هذه الدلالة المجالية هي نفسها دلالة محورية لجذرها القائم بذاته حيث تتصرف منه دلالات فرعية أخرى لأوزانه المختلفة وتقوم هذه الدلالات الفرعية على الدلالة المحورية للجذر.
ويمكن أن يفيدنا هذا التصريف عن طريق الدلالات الحقلية المتداخلة في معرفة معاني الألفاظ التي وردت مرة وحيدة في القرءان جذراً وصياغةً وعددها في القرءان 395 حسب معجم الفرائد القرءانية للأستاذ باسم البسومي.
وهذا التصريف الوسيط هو الذي دعاه ابن جني بالإشتقاق الأكبر.

3. التصريف الكبير (الثالث):

هنا في هذا النوع من التصريف ننظر إلى الحروف المشتركة بين جذرين لا تتطابق حروفهما. والتشارك يكون بين الجذرين في حرفين أو حرف واحد.
فالإشتراك في حرف واحد وهنت فيه حركة الدلالة التي تجمع بين الجذرين ولكنها موجودة، وهذا هو النوع الثاني من هذا التصريف الكبير، ولن نوليه هنا أهمية.
أما النوع الأول من التصريف الكبير فهو الذي يشترك فيه الجذران في حرفين ويختلفان في حرف واحد ويكون هذا التشارك إما بالتغيير المتناظر أو بالتغيير غير المتناظر.
أ. التغيير المتناظرللنوع الأول من التصريف الثالث:
يكون التغيير هنا إما متناظراً في الحرف الأول من الجذرين مثل (رتق وفتق) أو في الحرف الثاني مثل (رهب ورعب) أو في الحرف الثالث مثل (بتر وبتك). وهنا أمثلة أخرى من لسان القرءان.
أمثلة للتناظر الأول هي {أجر، تجر، حجر، سجر، شجر، فجر، هجر}.
أمثلة للتناظر الثاني هي {نفس، نجس، نكس}.
أمثلة للتناظر الثالث هي {نفخ، نفس، نفق، نفر، نفل، نفع}.
وتتقارب الدلالة في التناظر الثالث حيث أن الحركة هي نفسها في البداية وتخصصت نفس الحركة في الوسط ولكنها اختلفت في اتجاهها الأخير. أما في التناظر الثاني فتبدأ الحركة متشابهة في البداية ثم تتخصص هذه الحركة في الوسط تخصصا مختلفاً بين الجذرين ثم يتشابه في هذا التناظر مفعول الحرف الثالث على تخصص الحركة نتيجة الحرف الثاني ولكن في اتجاهين غير متماثلين. وفي التناظر الأول تختلف الحركة ابتداءاً ولكن يتشابه التخصص المتتابع لها.
ب. التغيير المتخالف للنوع الأول من التصريف الثالث:
عندما نأخذ جذر (ع، ق، ل) ونغير القاف من الرتبة الثانية إلى الرتبة الأولى واللام من الرتبة الثالثة إلى الثانية فيصبح عندنا ثنائي (ق، ل، ...) ثم نضيف الباء بدلاً من العين في الرتبة الثالثة فتكون النتيجة
(ق، ل، ب). والسؤال ما هي الدلالة المشتركة بينهما، أي بين عقل وقلب؟ تلك هي الدلالة الناتجة عن دلالات القاف واللام ولكن يعمل على تقليل المشترك بينهما عاملان ، الأول هو الترتيب المختلف للأصوات حيث تختلف نواتج الحركة، والثاني اختلاف دلالة الحرف المختلف بينهما (العين والباء).
الخلاصة
هذا بإختصار أرجو ألا يكون مخلاً نظام التصريف في اللسان العربي في عمومه وتقسيمه من غير نظر في ما يرتبط به من مواضيع كثيرة مهمة تحتاج إلى معرفة واسعة وشاملة بالعلوم الإدراكية. وقد ذكرت تقريباً كل أصناف التصريف في اللسان العربي ضمن نظامه.
وللبدء في تأسيس اللسانيات القرءانية يمكن أن يتعاون الباحثون في وضع منهجٍ للتصريف الأول يمكِّنُنا من استثمار طاقات وخصائص هذا التصريف في تدبر القرءان العظيم في وقتنا المعاصر. أما التصريف الثاني فيحتاج إلى جُهد من علماء لسانيات لهم معرفة واسعة بعلوم الحاسوب والهندسة وربما غيرها.وفي التصريف الثالث يمكن أن نبدأ بالتناظرين الأول والثالث من النوع الأول لنرى حركاتٍ مختلفةً للدلالة في حقول مشتركة. والله أعلم.

وفي ما يلي بعض المصطلحات التي وردت في المقال ومقابلاتها الإنجليزية:
اللسان العربي     :Arabic Tongue
لسان العرب      :Arab Tongue
لسان القرءان      :Quran Tongue
الدال              :Signifier
الدلالة            :Semantics
التداول            :Pragmatics
التصويت         :Phonetics
التصريف                   :Morphologization
التركيب           :Syntax

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق