الأربعاء، 27 يوليو 2011

1-5 لماذا قص القرآن؟

لماذا قص القرآن؟

قد يجول في خاطر بعض البشر هذا السؤال, فلماذا يقص الإله في الكتاب الذي يوحي به إلى البشر؟! وما الحكمة التي تجعل للقصص هذا النصيب الكبير في الكتاب الخاتم للبشر؟! ونحن إذ نتحدث عن القصص, فإننا لا نقصد سبب ورود كل قصة بمفردها, -فسنعرض لهذا في عنصر لاحق- وإنما نتحدث عن علة ورود القصص ك "جنس" في الوحي.
والواقع أن هذا السؤال لم يغب عن أذهان السابقين, فتطوعوا وقدموا له إجابة, إلا أنها كانت من السوء بمكان كبير, فطعنت في الصحابة وحطت من شأن القصص وأساءت إلى الرب العليم! فإذا نظرنا في الروايات التي ذكرها الإمام الطبري عند تأويله لآية " نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ... [يوسف : 3]" نجده يورد روايات تقول: ".... عن ابن عباس قال: قالوا: يا رسول الله، لو قصصت علينا؟ قال: فنزلت: "نحن نقص عليك أحسن القصص". (....)
عن عون بن عبد الله، قال: ملَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملّةً، فقالوا: يا رسول الله حدثنا! فأنزل الله عز وجل: "اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ [الزمر:23]". ثم ملوا ملَّةً أخرى فقالوا: يا رسول الله حدثنا فوق الحديث ودون القرآن! يعنون القصَص، فأنزل الله: "الر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيًا لعلكم تعقلون نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين"، فأرادوا الحديث فدَّلهم على أحسن الحديث، وأرادوا القصصَ فدلهم على أحسن القصص.[1]" ا.هـ
وكما رأينا فلقد جعلت بعض الروايات أن سبب ورود جنس القصص في القرآن هو طلب الصحابة, وزادت بعض الروايات الطين بلة, فقالت أن الصحابة ملّوا!! وهذا يعني أن القرآن لم يعد مغنياً ولا شافيا كافياً لهم, فأرادوا التسلية, فجعل الله لها نصيباً في كتابه!! والأسوأ أن عون بن عبد الله هذا جعل قصص القرآن ليس على نفس مرتبة القرآن!! فجعل القرآن (والذي ليس فيه حديث ولا قصص) مرتبة, وجعل الحديث مرتبة دنيا!! ثم جعل القصص مرتبة أعلى من الحديث وأدنى من القرآن!! ولست أدري كيف نزع صبغة القرآنية عن هذه الأقسام من الكتاب؟!!

وهذا القول الوارد في الروايات قول ساقط لا ينبغي الالتفات إليه, فلقد ذكر لنا الله العليم في كتابه لماذا قص, فلماذا نرضى بكتاب الله بديلا, سواءً كان من السابقين أم اللاحقين؟! فإذا نظرنا في الكتاب العزيز وجدنا أن الأسباب التي ذكرها علة لقصه, هي: "1- أن يأخذ الناس منها عبرة! ولكن لن يعتبر إلا أولو الألباب, أما عامة الناس فسيرونها قصة مسلية! "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ"
2- التفكر, فليس القصص للتسلية: " .... فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف : 176]"
3- تثبت فؤاد المؤمن, عندما يعلم أن من سبقه تعرضوا لما يتعرض له ونصرهم الله في نهاية المطاف: "وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ... [هود: 120]"
4- الازدجار بمعرفة سوء عاقبة المكذبين: "وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ [القمر : 4]"
5- معرفة سنن الله تعالى الجارية على عباده, مثل أن الله تعالى يداول الأيام بين الناس: "... وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ...[آل عمران : 140]", وأن الأمم تزول بانتشار الظلم والفسق والفساد, وأن سنن الله لا تتحول ولا تتبدل: " ... وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً [فاطر : 43]", وأن الأمم لها أجل في هلاكها, وأن أي أمة لا بد أن تُهلك أو تُعذب قبل يوم القيامة –بسبب أعمالها!-
6- هدى ورحمة للمؤمنين بتأكيد الحقائق الإيمانية عندهم, بتذكيرهم بحقيقة الإنسان وبالغاية التي خُلق من أجلها وأن البشرية بدأت بالإيمان ثم كفرت, وأن الأصل في الإنسان التوحيد. "... وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف: 111]"
7- تصحيح الأخطاء الواردة في الكتب السابقة, وتصديق الصحيح منها:
"إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النمل : 76][2]" ا.هـ 
فلهذه الأسباب المذكورة في الكتاب كان القصص .. وكان القص!




[1] محمد بن جرير الطبري, جامع البيان في تأويل القرآن, تحقيق: أحمد محمد شاكر, الجزء 15, ص.552.
[2] عمرو الشاعر, عائشة أم المؤمنين, العبقرية المفترى عليها, ص.38-39!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق