الأربعاء، 27 يوليو 2011

1-4 أنواع قصص القرآن

أنواع قصص القرآن

بعد أن عرفنا دلالة القص, ننتقل إلى النقطة التالية له وهي معرفة المدلول, الذي سماه القرآن "قصصا", فما هي أنواع قصص القرآن –من حيث المحتوى-؟! 
الناظر في الكتابات التي عرضت لهذه القضية يجد أن هناك من يقسم قصص القرآن إلى قصص أنبياء وقصص عن أشخاص ليسوا بأنبياء, عرض القرآن طرفاً من ما فعلوه أو حدث لهم! وهناك من يزيد على هذا فيجعل الأحداث التي وقعت في زمن النبي من القصص, ومن ثم فيجعلون قصص القرآن على ثلاثة أنواع, ومن أنصار هذا التوجه الأستاذ مناع القطان, فنجده يقول:
"والقصص في القرآن ثلاثة أنواع:
النوع الأول: قصص الأنبياء، وقد تضمن دعوتهم إلى قومهم، والمعجزات التي أيدهم الله بها، وموقف المعاندين منهم، ومراحل الدعوة وتطورها وعاقبة المؤمنين والمكذبين, كقصة نوح وإبراهيم وموسى وهارون وعيسى ومحمد، وغيرهم من الأنبياء والمرسلين، عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام.
النوع الثاني: قصص قرآني يتعلق بحوادث غابرة، وأشخاص لم تثبت ثبوتهم، كقصة الذين أخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت وطالوت وجالوت، وابني آدم وأهل الكهف وذي القرنين وقارون وأصحاب السبت ومريم وأصحاب الأخدود، وأصحاب الفيل ونحوهم. 
النوع الثالث: قصص يتعلق بالحوادث التي وقعت في زمن رسول الله r كغزوة بدر واُحد في سورة آل عمران، وغزوة حنين وتبوك في التوبة، وغزوة الأحزاب في سورة الأحزاب، والهجرة والإسراء، ونحو ذلك.[1]" ا.هـ
والمتدبر لهذين  التوجهين يجد أن كليهما لم يجعل القرآن مرجعاً له في استخراجه التصنيف الذي يقول به, وإنما اجتهد في إيجاد تصنيف جامع لقصص القرآن, فإذا نظرنا في القرآن وجدنا أن القرآن يربط قصّه بالأنباء, فنجده يقول: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا .... فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف : 176], تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبائِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ .... [الأعراف : 101], ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ [هود : 100], وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُل مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [هود : 120], كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً [طه : 99]

فقصُ القرآن مرتبط بأنباء القرى والرسل السابقين, أما الأحداث المتعقلة بالرسول وبأفعال المعاصرين له مؤمنين وغير مؤمنين, فلم يعتبرها القرآن قصّاً بأي حال من الأحوال لأنها لم تكن بالنسبة لهم أنباء وإنما واقع مشاهد, والإنباء لا يكون إلا بإظهار المخبَر على ما لا يعلم!! ولا يعني هذا أننا نشترط في "القص" الارتباط بالأحداث الغابرة السابقة كما قال بعضهم,[2] -فلقد استعمل القرآن مفردة القصص مع وقائع حديثة معاصرة –غائبة عن المتلقي-, وذلك في مثل قوله: "قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ .... [يوسف : 5], وقوله: "..... فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص : 25]"-
وإنما نقول أن القرآن حصر قصه في أنباء السابقين ومن ثم فلا نعتبر ما سماه القرآن "ذكراً": " لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [الأنبياء : 10]" لا نعتبره قصصا من عند أنفسنا. فإذا أردنا أن نخلص إلى أنواع القصص في القرآن استنادا إلى التسمية القرآنية, نجد أنها:
1- من أنباء القرى.
2- من أنباء الرسل.
3- من أنباء ما قد سبق.
كما يمكن تقسيم القصص من زاوية أخرى إلى صنفين آخرين, هما: قصص أقوال وقصص أحداث, فنجد أن الله تعالى يقص أحيانا أقوالاً لأشخاص أو حوارات, كما قص الحوار الذي دار في أول الخليقة بينه وبين الملائكة بشأن جعل الخليفة, أو المحاجة التي حاجها الرجل لإبراهيم في ربه, وأحيانا أخرى أكثر يقص أحداث قد تشتمل حوارات وأقوال, إلا أن العنصر الأول هو الأحداث نفسها.



[1] مناع القطان, مباحث في علوم القرآن, ص.301.
[2] مثل الدكتور أنور إبراهيم, والذي قال في بحث منشور له على ملتقى أهل التفسير : "ومن خلال الاشتقاق اللغوي للكلمة نرى أنها تدور حول الكشف عن آثار ماضية نسيها الناس أو تغافلوا عنها وإعادة عرضها من جديد للتذكير بها لتكون لهم عبرة وآية .والمراد من القصص القرآني : إخباره عن أحوال الأمم الماضية والأنبياء السابقين والحوادث والكائنات الواقعة فيما مضى من الزمن, وبناء على هذا التعريف : يشترط أن تكون قصة غابرة في الماضي ، ونزل القرآن متحدثا عنها ، أما المناسبات الحاضرة فى زمن النبوة فلا تسمى قصصا ، وذلك كالغزوات التي تحدث عنها القرآن والحوادث التي وقعت فى هذا الزمن كحديث الإفك والظهار وما شابه هذه الأمور بحجة أن هذه الأحداث عايشها من شهدوا الوحي والتنزيل فلا تعد بالنسبة لهم قصصا .." ا.هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق