القصة والحكاية
بعد أن بيّنا أن استعمال كلمة "القصة" لا يكون صحيحا لغويا إلا مع أحداث واقعية جرت, يقتص القاص بعضها ليخبر بها غيره, نتساءل: ما هو الاسم الذي يمكن إطلاقه على ال"قصة" المختلقة؟! إذا نظرنا في أدبنا المعاصر وجدنا أنه لا يفرق بين الواقعي والمختلق, فيسمي كلاهما نفس الاسم, وتكاد تنحصر هذه الأسماء في "القصة"! فهناك القصة القصيرة, وهناك الأقصوصة وهناك القصة! فإذا تركنا القصة وجدنا أن هناك "الرواية" والتي يمكن تعريفها بأنها قصة طويلة متداخلة الأحداث!! وهذا مدلول حديث مخالف تماما للمدلول الذي اشتهرت به بعد الإسلام, حيث كانت مرتبطة بنقل الأحاديث والأخبار! وهناك ما لا يمكن اعتباره "قصة" وهو ما يُعرف ب الخواطر. وهناك صنف آخر يعده الأدباء أقل منزلة من القصة وهو "الحكاية", وهي تلك القصص السردية البسيطة, التي لا تتوفر فيها الحبكة الدرامية, ولا تظهر فيها بوضوح شروط القصة الأدبية!
فما هو الاسم الذي يمكن إطلاقه على القصص المختلق إذن؟!
نقول: الاسم الذي يدل على هذا الصنف من الأدب من حيث المعنى الأصلي له –بغض النظر عن الاصطلاحات الأدبية, التي لا تراعي المعاني الأصلية للكلمة!- هو: الحكاية! وذلك لأن الحكاية مأخوذة من المحاكاة, وهو التقليد! فإذا نظرنا في لسان العرب وجدنا ابن منظور يقول:
"الحِكايةُ: كقولك حكَيْت فلاناً وحاكَيْتُه فَعلْتُ مثل فِعْله أَو قُلْتُ مثل قَوْله سواءً لم أُجاوزه، وحكيت عنه الحديث حكاية. ابن سيده: وحَكَوْت عنه حديثاً في معنى حَكَيته. وفي الحديث: ما سَرَّني أَنِّي حَكَيْت إنساناً وأَنَّ لي كذا وكذا أَي فعلت مثل فعله. يقال: حَكَاه وحاكَاه، وأَكثر ما يستعمل في القبيح المُحاكاةُ، والمحاكاة المشابهة، تقول: فلان يَحْكي الشمسَ حُسناً ويُحاكِيها بمعنًى.[1]" ا.هـ
فالمحاكاة قائمة على التقليد والإتيان بمثيل للشيء, وهذا هو العنصر الرئيس للقصة في أدبنا المعاصر, فهي قائمة على إنشاء أحداث افتراضية مماثلة لما يحدث في الواقع, تقع في نفس المجتمعات التي نحيى فيها! فإذا نظرنا في القرآن وجدنا أنه لم يستعمل مفردة الحكاية أو أياً من مشتقاتها وإنما استعمل "القص" والإنباء, وهو ما يدل على الوقوع حقيقة لا افتراضا أو محاكاة!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق